الجمعة، 30 مارس 2018

مجلة سماء الأبداع للشعر والأدب الألكترونية كتب الشاعر أحمد عبداللطيف النجار قصة بعنوان وجه أخي ج1

سرديات قصيرة
ـــــــــــــــــــــــــ
                   وجه أخي !
              (( الجزء الأول  ))
                                                بقلم
                         أحمد عبد اللطيف النجار
                              كاتب عربي                                   

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العلاقة بين الإخوة والأشقاء يجب أن  تكون علاقة شفافة ، صريحة لا رياء فيها ولا نفاق أو قسوة ، فما بالك لو كان أخاك يتيماً !
من المفروض والواجب عليك أن ترعى الله فيه ( وأما اليتيم فلا تقهر ) .. نعم لا تقهر روحه ونفسه بحجة إنك تحسن تربيته  ورعايته ، أي تربية تلك وأي رعاية التي تقوم علي القهر والذل والمهانة؟!
إنك لو قسوت علي أخيك ( اليتيم ) فإنك بذلك تقهر روحه وتحّطم شخصيته ، وتقتل معه روحك !!
صاحبي عبد القادر جاءني ذات ليلة حزيناً باكياً ، نادماً علي ما فعله
بأخيه الراحل عبد المحسن ، سألته ماذا يحزنك لتلك الدرجة ؟
قال سوف أبدأ مأساتي من بدايتها :
توفي أبي منذ 25 عاماً تاركاً وراءه أسرة مكونة من أمي وثلاث شقيقات وشقيق واحد هو أخي  عبد المحسن ، كان عمره حين رحل أبي عن الدنيا ثماني سنوات ، أما أنا فكان عمري وقتها 15 عام  فقط ، وقد وصلت في تعليمي إلي نهاية المرحلة الثانوية ، وبدأت استعد للالتحاق بالجامعة ، فجاءت وفاة أبي المفاجئة وحطمت كل أحلامي في أن أعيش حياة طالب الجامعة التي كنت أحلم بها .
ترك أبي وراءه محلاً صغيراً لبيع قطع غيار السيارات يفي باحتياجات الأسرة بصعوبة بالغة .
بعد أيام العزاء اجتمعت الأسرة الخائفة من المستقبل تبحث أمورها ، فاتجهت الأنظار إليّ تلقائياً وأحسست بوطأة المسئولية وأعلنت (( وقلبي يتمزق ))  أنني سأخلف أبي في العمل بالمحل حتي تجد الأسرة ما يقيم أودها ، وقوبل إعلاني بارتياح  عميق من أفراد الأسرة (( لعله أغاظني ))  أكثر مما أسعدني ، وألقيت بكتبي وأحلامي وراء ظهري واستقبلت مسئوليتي (( بقلب واجم )) وخائف من المستقبل !
فتحت المحل ، فجاء زملاء أبي من التجار يشدون من أزري ويحيون رجولتي ، ويعرضون عليّ خدماتهم التي كنت في حاجة إليها بالفعل في أيامي الأولي بالتجارة ، ثم شيئاً فشيئاً عرفت أسرار العمل وثبتت أقدامي  فيه وانتظم مورد الأـسرة ، لكن العبء  كان ثقيلاً ، فقد كانت شقيقاتي وشقيقي عبد المحسن جميعهم في مراحل التعليم المختلفة ، والمحل مديناً ببعض الديون ، فعشنا فترة صعبة من الضيق والشدة واجهتها بصبر .
لكن استقر في أعماقي (( امتعاض ))  دائم وضجر من ظروفي التي
حكمت عليّ  بأن أتحمل المسئولية وأنا في الخامسة عشرة من عمري بدلاً  من أن أعيش سنوات  شبابي طليقاً وغيري يتحمل مسئوليتي !
مضت الأيام وبدأت أشعر  إنني محور حياة الأسرة وأن أمي وشقيقاتي يبالغن في العناية بي ومجاملتي ، رغم ذلك فقد أصبح صدري ضيقاً من كثرة النفقات وصعوبة المسئولية ، وأصبحت عصبياً تندفع من فمي الكلمات الجارحة رغماً عني لأخوتي وأحياناً لأمي ، فلا يقابلن ذلك إلا بالدموع الصامتة !!
مضت أيامنا علي هذا المنوال حتي حصلت شقيقتي ألكبري سعاد علي الثانوية العامة والتحقت بالجامعة ، وتخرجت وجاءها من يطلب يدها ، فقمت بواجبي معها ، ثم لحقت بها الأخت التالية وتزوجت ، وتخففت من بعض أعبائي وقررت أن أتزوج ، وتزوجت من ابنة الجيران ، وعشت معها في شقتنا الواسعة في أحياء القاهرة القديمة .
طوال هذه السنوات الصعبة كنت أتطلع إلي شقيقي الأصغر عبد المحسن وأتعجل السنوات كي ينهي تعليمه ويشاركني في تحمل المسئولية ، وعندما بلغ عبد المحسن العاشرة من عمره بدأت أفرض عليه أن يقف في المحل لعدة ساعات كل يوم ، وكان مثل أي فتي في سنه يضيق بذلك ويحاول أن يتملص من العمل ، فلا أسمح له بالفكاك وأنهره بعنف فيستسلم باكياً ، وشيئاً فشيئاً استقر الخوف مني في أعماقه ، فأصبح لا يحتمل إشارة مني كي ينفذ ما آمره به !
بررت ذلك لنفسي بأني أريده أن يتحمل المسئولية لمصلحته ، لكني رغم ذلك كنت أحياناً أرّق له وأراه غلاماً محروماً من الحنان ، ولم أظهر له هذا العطف ابداً ، ومع تقدمه في الدراسة كانت ساعات عمله تزيد حتي جاء وقت لم يكن لدي عمال، فكان أخي عبد المحسن  هو المساعد الوحيد لي في المحل  الذي يفتحه منذ الصباح الباكر ويبقي فيه حتي آخر الليل في أيام الأجازات ..، لذلكم لك يكن متفوقاً في دراسته  لكنه كان ينجح ، إلي أن جاءت مرحلة الثانوية العامة ورسب ، فدعوت الأسرة وعقدت له جلست تأديب  أنهلت عليه فيها باللوم والتقريع ، ثم أعماني الشيطان في لحظة حمق  وأنهلت عليه صفعاً وهو لم يزد أن حمي وجهه بذراعيه وأحني رأسه وهو يصيح باكياً ((( حا نجح السنة الجاية يا أخويا ... الدكان خد مني وقتي يا أخويا ))) .. فتوقفت عن  ضربي إياه وعدت إلي مقعدى لاهثاً وشقيقاتي واجمات يحبسن دموعهن  خوفاً من انفجارى فيهن ، وانسحب هو إلي غرفة أمي .
وبعد أن خلوت إلي نفسي اكتأبت لما بدر مني وأصابني الأرق ليلتها فلم يغمض لي جفن ، وذهبت للمحل في اليوم التالي عليلاً ، ولم يحضر أخي عبد المحسن وقت الظهيرة كالمعتاد  للجلوس في المحل ، وتوقعت ألا يحضر  ويخاصمني لعدة أيام وعزمت علي أن أصالحه واسترضيه ، خاصة أنه لم تفلت منه كلمة سيئة واحدة ضدي في قمة إهانتي له  وعدواني عليه !
وعندما جاءت الساعة الثالثة عصراً إذا بي ألمح شقيقي عبد المحسن قادماً منكسراً يحييني  وهو خافض الرأس ، يعتذر عن تأخره بأنه ذهب للمستوصف يطلب علاجاً من ألم في جنبه !
ساعتها كادت الموع تطفر من عيني وقاومتها بصعوبة وقلت له هيا بنا نذهب إلي أكبر الأطباء في المساء واذهب أنت واسترح  ، لكنه أصرّ علي أن يجلس في المحل بدلاً مني ، فتركته وعدت للبيت وفي المساء اصطحبته للطبيب ؛ فأعطاه علاجاً وطمأننا علي حالته .
عندما بدأت الدراسة عرضت عليه إعفاؤه من العمل بالمحل ليتفرغ لدراسته ، لكنه رفض بإصرار ،فكنت أراه يسهر الليل يذاكر ويقف في المحل نهاراً وصحته تذبل من كثرة الإجهاد فيا لعمل ، وظهرت نتيجة الامتحان فكان من الناجحين ، ولكن بمجموع ضعيف لا يؤهله للالتحاق بالجامعة ، فالتحق بمعهد فوق متوسط وأصبح يجد وقتاً أكبر لمساعدتي .
خلال تلك الفترة تطورت علاقتي به تطوراً جيداً ، فقد كنت أعطيه مصروف شهري خمسين جنيهاً ينظم حياته بها ، وذات يوم جاء ( ابن الحلال ) الذي همس في أذني أن أخاك  يصاحب شلة فاسدة من شباب المعهد ، وأنهم يدخنون السجائر ويصادقون الفتيات ، فلعب الفأر في عني أن يكون الشيطان قد أغواه ، فبدأ يمد يده إلي نقود المحل أثناء غيابي ، وواجهته بذلك فبكي قائلاً : أنني ابن فلان مثلك وكان أبينا رجلاً طيب عارفاً بالله ، فكيف أكون خائن ؟!! .. ولمن ؟ . لأخي الذي رباني  وفي مال أسرتي الذي تعيش منه أمي وأختي التي ما زالت في الجامعة ؟!!
فأنهيت الموضوع  ، لكني بدأت أراقبه  فلا أجد عليه ما يريب ، فهو يصلي الفروض في أوقاتها ، ولا يدخن ، ودائماً مهموم بأمر  إخوته البنات ، ويقضي حوائجهن ، ويرعى أولاد المتزوجات منهم ، فتهدأ أفكاري السوداء قليلاً ، ثم تعود الوساوس  تطاردني من جديد فأسئ معاملته وهو يتحمل صابراً إلي أن أعود إلي حالتي الطبيعية !
هكذا مضت بنا الأيام حتى انتهت دراسته في المعهد وحصل علي الشهادة وأدى فترة الخدمة العسكرية .
خلال هذه الفترة كانت تجارتي قد نجحت واستقرت وتخلصت من كل المتاعب ، فأعدت تأثيث شقتنا الواسعة واشتريت سيارة ، وبدأت اطمئن للمستقبل  واشتريت أيضاً المحل المجاور لي وضممته إلي محلي ، وأصبح لدي عاملان يتقاضيان أجراً كبير ، وعاد شقيقي عبد المحسن يساعدني في انتظار تعيينه ، لكني صارحته بأنني
أريده أن يتفرغ للمحل لأن له نصيب شرعي فيه ، فقال لي أنه يعتبرني أبيه  والأب يختار لابنه الأفضل وما في صالحه ، واتفقنا علي أن يعمل في المحل وبدأ العمل بهمة ونشاط كبير ، فكان والحق يقال شعلة من النشاط والذكاء ومحبوباً من الجميع ، فهو خدوم وشهم وكريم في حدود ما تملكه يده ، وكنت أعطيه نصف مرتب العامل وكان راضياً لأنه صاحب مال وأصبحت اعتمد عليه في أعمال كثيرة .
فجأة عاودني الوسواس القديم بسبب شلة الأصدقاء الذين أراهم فاسدين ويراهم هو صالحين ، وكانوا زملاؤه منذ الطفولة حتي المعهد ، وكنت لا أرتاح لهم وأشك في سلوكهم وأخشى عليه من صحبتهم ، فنصحته بالابتعاد عنهم ورويت له عنهم ما لا يسر ، فكان رده : أنني لا أستطيع أن أتحكم في سلوك غيري وأنني أرضي الله وهؤلاء الأصدقاء منذ الصغر !
لم أقتنع برده وبدأت الوساوس تلح علي من جديد ، وذات يوم رأيته ومعه ساعة جديدة  فاخرة ، فسألته عن مصدرها ، فأخبرني أن شقيقته ألكبري  سعاد أهدتها له ، فلم أصدقه وسألت أختي فأكدت لي ذلك قائلة أنها اشترته له بالتقسيط من مرتبها حين لاحظت أنه لا يحمل ساعة ولا يجرؤ علي طلبها مني !!
لكنني أيضاً  لم يسترح عقلي  وشككت في أنها تدافع عنه لعطفها عليه ، فأمرته أن يختار إما العمل بالمحل أو أن يقطع علاقته بهذه الشلة من أصدقاؤه القدامى ، وانصرف صامتاً مكسور الخاطر لأنني قلت له ذلك أمام عمال المحل ، ولامني  الكثير من الزبائن والتجار من جيراني ، فزادني ذلك عناداً وعدت للبيت في المساء ، فلم أجده وعندما سألت عنه عرفت أنه سافر إلي دمياط ليبحث عن عمل وأنه اقترض نقود السفر من خالته ، وأحسست بألم في قلبي ، لكني
تظاهرت  بالاستهانة وقلت بصوت عال : في داهية !
وتمنيت أن يفشل سعيه وأن يعود مهزوماً ويقبل شروطي ، لكنه لم يعد يا صديقي ومضى شهران قبل أن يأتي في زيارة لأمه وشقيقاته  اللاتي كن يتحرقن شوقاً إليه ، وعدت للبيت وقت الظهيرة  وكان عبد المحسن جالساً مع زوجتي وأمي وشقيقاتي وهن حوله سعيدات به ، فنهض مرتبكاً حين رآني ، وركبني الشيطان فجأة وأشحت بوجهي عنه  ودخلت إلي غرفتي ، وجاءت  ورائي زوجتي تلومني ، فصرخت في وجهها ، أما عبد المحسن فقد جلس لمدة دقائق ثم استأذن وانصرف !
من زوجتي عرفت  أنه يعمل عند مستورد لقطع الغيار أتعامل معه منذ سنوات طويلة ، وأنه يقيم في غرفة في  حي شعبي  وأن هذا المستورد أحبه ويثق في أمانته ، ويرسله إلي الجمرك لتخليص بعض أعماله .
لعب الفأر  في عبي وخشيت أن يضعني في حرج مع الحاج عبد الستار ، فاتصلت به وسألته عنه ، فقال لي أنه ولد سكرة ووجهه فيه القبول وكلما أرسله في مهمة يسّرها الله علي يديه ، وأنه يشكرني علي التنازل له عنه !!
والله يا صاحبي أحسست ساعتها بالفخر والغيرة معاً !
ومع ذلك وبمنطق التجار حرصت علي أن أؤكد للحاج عبد الستار أنني غير مسئول عن أي تصرفات له ، فقاطعني الرجل رافضاً الاستماع لي وانتهت المكالمة ، واستمر الحال هكذا  وأصبح أخي عبد المحسن يأتي للقاهرة مرة كل شهر ، وواصلت تجاهله ، وسعت أمي كثيراً كي تصلح بيننا ، ولكني تمسكت  أن ينفذ كل شروطي وأن يبتعد عن أصدقاؤه  الذين يحرص علي زيارتهم كلما جاء من دمياط والذين يزورونه هناك .
مضى عامان ثم ابلغتني أمي أن عبد المحسن ارتبط بفتاة بائعة في محل الحاج عبد الستار ،وأنه يريد خطبتها ويطلب الإذن ، فسألت عن التفاصيل  وتأكدت من أنه نسب غير مناسب وأن مستوى أسرتها الاجتماعي متواضع للغاية ، وقلت لأمي أن ابنك يريد أن يجلب لي عاراً جديداً كما فعل حين عمل عند واحد ممن أتعامل معهم ، وبامكانه أن يتزوج من أسرة أفضل منها ، فهو في النهاية ابن ناس طيبين ورفضت الموافقة بإصرار !
بعد أيام جاءني منه خطاب يطلب فيه أن أصفح عنه قائلاً أنه لا يعرف له أباً غيري ويطلب مني حضور حفل خطبته ، فم أرد عليه ، وجاء بعد أسبوعين وزارني في المحل ، فلم أحسن استقباله ، ورغم ذلك جلس معي وطلب مني راجياً تشريفه في حفل خطبته ، فهززت رأسي أن لا !!
فسكت وقبل أن يمضى أخذ يرجوني السماح لأمه  وشقيقاتي بالحضور لكيلا يبدو أمام أسرة خطيبته بلا أهل ، فهززت رأسي مرة أخرى رافضاً ..... فسكت قليلاً ثم قال ( كتر خيرك ) .
بكت أمي طويلاً فلم أستجب لها وأعلنت رفضي لذهاب شقيقاتي ، فبكين وأشفقن عليه أن يكون وحيداً يوم خطبته ، فم أتراجع ، هكذا ركبني العناد وهددت من تذهب منهن إلي دمياط بمقاطعتها ، فرضخن ساخطات !!
أما زوجتي  فقد تأثرت كثيراً بما يحدث ، فصرخت في وجهي بأنني ظالم ، وفجأة ظهرت خالتي في الصورة وقررت أن تذهب هي وزوجها وأولادها إلي دمياط لتخطب له الفتاة التي اختارها قلبه ، وذلك نيابة عن أمي  وليضرب فلان الذي هو أنا رأسه  في الحائط لأن الله لا يرضي بالظلم ، ولأنني كما قالت ظلمته صغيراً وكبيراً  ولا أريد أن ارجع عن ظلمي !
  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
&&  الجزء الثاني بعد دقائق معدودات  إن شاء الله
AHMED ALNAGAR

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق